الكشف عن نقطة ضعف جديدة في ورم الدماغ القاتل
في دراسة تمهيدية حديثة نُشرت في مجلة Molecular Cell، كشف باحثون من كلية طب وايل كورنيل عن آلية غير متوقعة تُسهم في تطور أحد أخطر أنواع السرطان الدماغي المعروف باسم ورم الأرومة الدبقية (Glioblastoma).
وبحسب الدراسة، فإن طريقة طي الحمض النووي داخل نواة الخلية تلعب دورًا حاسمًا في تنشيط البرامج الجينية المسببة للسرطان، وهو اكتشاف يفتح الباب أمام استهدافات علاجية جديدة تتجاوز الطفرات الجينية المعروفة.
– التنظيم الثلاثي الأبعاد: بُعد جديد لفهم السرطان
يشير الفريق البحثي إلى أن الحمض النووي في خلايا الإنسان، إذا ما تم فرده، قد يبلغ طوله نحو مترين، ومع ذلك يُضغط داخل نواة لا يتجاوز حجمها 80 مرة أصغر من حبة الرمل.
ولتحقيق هذا الانضغاط، يُعاد ترتيب الـDNA في طيات وحلقات، ما يسمح لأجزاء متباعدة على السلسلة الجينية بالالتقاء والعمل معًا، مكونة ما يُعرف بـ”المراكز المحورية ثلاثية الأبعاد” أو 3D hubs.
هذه المراكز تتحكم عادة بعمليات فسيولوجية طبيعية في الأفراد الأصحاء، مثل نمو الأجنة. لكن في حالات الأورام، لاحظ العلماء أن الجينات السرطانية تتجمع بشكل غير طبيعي ضمن هذه المراكز وتنسق نشاطها مع جينات أخرى لم تكن مرتبطة سابقا بالسرطان.
– تجربة حاسمة باستخدام تقنية كريسبر
من خلال تحليل خلايا ورم الأرومة الدبقية المأخوذة من مرضى يخضعون للعلاج، استخدم الباحثون تقنية كريسبر التداخلية (CRISPR interference) لتعطيل أحد هذه المراكز المحورية.
فما إن تم إسكات هذا “المركز الجيني”، حتى لاحظ العلماء تراجعًا حادًا في نشاط الجينات المرتبطة به، كما تراجعت قدرة الخلايا على تشكيل تكتلات سرطانية شبيهة بالورم في المختبر.
وقالت البروفيسورة إفّي أبوستولو، المشاركة في قيادة الدراسة: “تمكّنا من تغيير البرنامج السرطاني لخلايا الورم وتقويض قدرتها على التنظيم والنمو في بيئة مخبرية.”
– أبعد من الدماغ: مراكز ثلاثية الأبعاد في أنواع سرطانية أخرى
ما أثار دهشة الباحثين هو اكتشاف أن هذه المراكز المحورية لا تقتصر على ورم الأرومة الدبقية، بل تظهر كذلك في العديد من السرطانات الأخرى مثل سرطان الجلد، الرئة، البروستاتا، الرحم، وغيرها.
ورغم اختلاف الجينات المحورية بين نوع وآخر، إلا أن بعض هذه المراكز مشتركة بين أنواع متعددة، ما يعزز من أهمية هذا الاكتشاف كهدف علاجي واعد.
– التغيرات اللاجينية وليس الطفرات الجينية فقط
أحد المفاتيح الهامة التي توصل إليها الفريق هو أن هذه المراكز لا تنشأ دائما عن طفرات جينية صريحة، بل غالبًا ما تنجم عن تغيرات لاجينية (Epigenetic)، مثل طريقة تغليف الحمض النووي أو ارتباط البروتينات التنظيمية به، مما يؤثر على تشغيل أو إيقاف الجينات دون تغيير تسلسلها الجيني.
– مستقبل علاجي واعد
قال الدكتور هوارد فاين، المشارك في قيادة الدراسة ومدير مركز أورام الدماغ في نيويورك-بريسبتيريان/وايل كورنيل: “من خلال تحديد مراكز التحكم في هذا التنظيم الجيني الثلاثي الأبعاد، اكتشفنا أهدافا علاجية جديدة محتملة.”
ويُضيف:
“المرحلة القادمة ستركّز على فهم كيفية تشكّل هذه المراكز، ومدى إمكانية تعطيلها بأمان للحد من نمو الأورام ، ويأمل الباحثون أن يُسهم استهداف هذه البُنى اللاجينية والمكانية في تقديم علاجات مكمّلة للعلاجات الجزيئية التقليدية، مما قد يُحدث ثورة حقيقية في علاج السرطان.
– نظرة جديدة لفهم السرطان من الداخل
يعيد هذا البحث تشكيل نظرتنا لفهم الأورام، حيث يسلّط الضوء على “البيئة الجينية ثلاثية الأبعاد” كمصدر جديد للخلل الذي يقود السرطان، ويدعونا إلى التفكير في أبعاد أعمق من مجرد الطفرات الجينية.
من خلال هذه الرؤية المكانية، قد نكون على أعتاب جيل جديد من العلاجات الدقيقة والمستهدفة.
المصدر: موقع اضاءات الاخباري